الخميس، 12 مارس 2020

امتلئوا بالروح!



امتلئوا بالروح!

عظة جديدة للدكتور ثروت ماهر

"امتلئوا بالروح".. عظة جديدة للدكتور ثروت ماهر، وهي العظة السابعة من سلسلة عظات "كنيسة مجيدة في الأيام الأخيرة". السبت ٢٢ فبراير ٢٠٢٠ - الاجتماع الأسبوعي لخدمة السماء على الأرض.
يشجعنا الروح القدس من خلال هذه العظة على الاقتراب للدخول في مستوى جديد من الصداقة معه.. يشتاق الروح القدس أن يملأنا ليعطينا النصرة على الخطية والفشل والإحباط.. يشتاق الروح القدس أن يملأنا ويذكرنا بكلمات الرب يسوع لنا، ويشتاق الروح القدس أن يملأنا ويعطينا شفاء لأرواحنا ونفوسنا وأجسادنا.. الروح القدس هو المعين والمعزي والمحامي والمرشد.. الروح القدس هو مَن يعرفنا بميراثنا في الرب.. ما أعده لنا الرب يسوع المسيح لم تسمع به أذن ولم تره عين ولم يخطر على بال إنسان.. مَن الذي يعلن لنا هذه الأسرار؟؟ هو الروح القدس! يعلنها لنا الرب بروحه.. الروح القدس هو مَن يُكحِل عيوننا بمسحته، فنرى ما لا يُرى، ونفرح! ونصير روحيين! وعندئذ نعرف أن نستقبل كل ما يريد الرب أن يخبرنا به، ونصير شركاء الروح القدس العظيم!!مجدًا للثالوث القدوس؛ الآب والابن والروح القدس!
سلسلة "كنيسة مجيدة في الأيام الأخيرة" - هي سلسلة عظات دراسية منظمة لرسالة أفسس، يستخدم الروح القدس د. ثروت ماهر في تقديمها، وذلك في اجتماع خدمة السماء على الأرض أسبوعيًا كل يوم سبت الساعة ٥:٣٠ مساءًا.ويسبق الجزء الدراسي كل أسبوع كلمة تشجيعية أو رسالة نبوية بحسب قيادة الروح القدس.نرحب بكل مَن يقوده الروح القدس ليحضر معنا هذه السلسلة من العظات ليُبنى إيماننا ونتقوى في الرب وشدة قوته.نعمة فوق نعمة

الاثنين، 3 يونيو 2019

الرب ينقذك من كل مخاوفك - د. ثروت ماهر

الرب يُنقِذك مِن كُل مخَاوِفك
                                              عظة مرئية جديدة
                                                      د. ثروت ماهر
المُسبح نادر نبيل والدكتور ثروت ماهر

طَلَبْتُ إِلَى الرَّبِّ فَاسْتَجَابَ لِي، وَمِنْ كُلِّ مَخَاوِفِي أَنْقَذَنِي. نَظَرُوا إِلَيْهِ وَاسْتَنَارُوا، وَوُجُوهُهُمْ لَمْ تَخْجَلْ. 

(مز ۳٤: ٤، ٥) 

الأربع مسحات.... The Four Anointings

 
 
 
الأربع مسحات.... The Four Anointings
أَمَّا شِبْهُ وُجُوهِهَا فَوَجْهُ إِنْسَانٍ وَوَجْهُ أَسَدٍ لِلْيَمِينِ لأَرْبَعَتِهَا، وَوَجْهُ ثَوْرٍ مِنَ الشِّمَالِ لأَرْبَعَتِهَا، وَوَجْهُ نَسْرٍ لأَرْبَعَتِهَا.. حز١١٠
وجه إنسان.. وجه أسد.. وجه ثور.. وجه نسر.. أربعة وجوه للمخلوقات الحية التي تحمل مجد الرب في الإصحاح الأول من سفر حزقيال.. تشير هذه الوجوه الأربعة لمسحات أربع يريد الرب أن يفيض بها في حياة أولاده وبناته.. فأبناء الرب الحقيقيين هم حاملو مجده.. يقفون في محضر الرب أمام عرشه فيمتلئون بمجده وتتشكل وجوههم بتشكيلات روحه القدوس..
الوجه الأول: وجه إنسان
المسحة: مسحة استرداد السلطان المفقود  
(Restoration of the first authority and beyond)
الطريق: الإخلاء والاتضاع
الأحقية: صار هذه الوجه وما يشير إليه من مسحة لاسترداد السلطان المفقود متاحًا لنا بسبب تجسد الرب يسوع، الإله المتأنس، آدم الأخير.. الْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا (يو١:١٤).. تجسد الرب يسوع ليعيد لنا إنسانيتنا المفقودة.. أخلى نفسه من مجده ليمجدنا فيه.. اتضع ليرد لنا السلطان.. آدم الأول كان صاحب سلطان وفقده بالسقوط.. ابن الله أخلى نفسه ليرد لآدم سلطانه المفقود وأعظم.
الاتضاع والإخلاء من جهة، واسترداد السلطان من جهة أخرى، هما أمران متلازمان في الحياة الروحية.. الرب يسوع، كلمة الله المتجسد، رسم لنا هذا الطريق إذ أخلى نفسه، لذا رَفَّعَهُ الله..مكتوب: الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ. لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ.. (في٢٦١١).
مسحة وجه الإنسان تنطبع وتستقر على المتضعين أثناء تواجدهم في عرش النعمة.. مسحة وجه الإنسان تجعلنا نحمل وجه آدم الثاني.. يسوع الممجد.. مسحة وجه الإنسان تُعيد للخليقة رؤيتها ليسوع فينا فتخضع لصورة الله فينا.. يوجد وعد بالراحة للخليقة التي تئن وتتمخض إذ ترى بهاء عربون الروح في وجه الإنسانية الممجدة في يسوع!
الوجه الثاني: وجه أسد
المسحة: المسحة الرسولية الملوكية (Kingship Apostolic Anointing) – الإرسالية ومد تخوم الملكوت
الطريق: المحبة العُرسية – الانشغال بالعريس الآتي ومجيئه الثاني
الأحقية: صار هذه الوجه وما يشير إليه من مسحة ملوكية مُتاح لنا في الرب الملك الذي ملك على حياتنا كحمل، وسيأتي ليملك كأسد على أرضنا في مجيئه الثاني.
الرب الملك يملك في كنيسته الآن.. وكنيسته تعلن مُلكه للعالم.. ملكوت الغفران والشفاء والحرية والمجد والفيض.. المسحة الرسولية تطلق أبناء الرب لمد سلطان الملكوت.. ليمتد النور.. ليمتد الشفاء.. الظلمة تغطي الأرض، أما كنيسة الرب وجيل الأيام الأخيرة الماكث أمام العرش، فإشراقهم يزداد..
مسحة وجه الأسد تنطبع وتستقر على هؤلاء الذين يحبون العريس بكل قلوبهم وينتظرون مجيئه بفارغ الصبر.. هؤلاء المشتاقون إلى لقاء العريس تستقر مسحة الأسد على حياتهم ليمضوا ويُخضِعوا تخوم جديدة لعريس قلوبهم الذي اقترب مجيئه جدًا!! العروس الحقيقية تُمسح بمسحة الأسد في الأيام الأخيرة لتمضي مضيئة بلا خوف وسط ظلام الأمم.. زئير العروس الخارج بمسحة الأسد سيجعل البعض يطمئن، لكنه أيضًا سيخيف كثيرين!! هؤلاء الذين يحبون مجيئه سيطمئنون، بينما أولئك الذين يحيون لذواتهم سيزداد خوفهم وتظهر حيرتهم!!
الوجه الثالث: وجه ثور
المسحة: مسحة للبذل بقوة الروح..
الطريق: حَمْل النير.. "اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي... لأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ.." (مت١١٢٩، ۳٠)
الأحقية: صار هذه الوجه وما يشير إليه من مسحة للبذل مُتاح لنا في الرب الذبيح الذي صلب لأجلنا ومات حاملاً آثامنا وأمراضنا.. بذل الرب نفسه لفدائنا.. حمل الصليب وتحمل الضرب والجلدات.. حمل اللعنة.. بل صار هو نفسه لعنة لأجلنا!!
مسحة وجه الثور تنطبع وتستقر على هؤلاء الذين وضعوا أكتفاهم تحت نير الرب لخدمته.. هؤلاء الذين لمس الرب أعماقهم بحبه، فكرسوا الحياة لخدمة مَن أحبهم وأسلم نفسه لأجلهم.. مسحة الثور تعطي القوة لخدمة الرب وتَحمُل المشقات بدون تراجع.. لم يتراجع بولس إذ رُجِم وسُجِن وجُلِد!! بل على العكس ازداد حبه للرب وازدادت قوة تحمله!! مسحة الثور تعطي القوة للاستمرار في مقاومة العدو رغم حروبه المتتالية.. "تَنْصِبُ مِثْلَ الْبَقَرِ الْوَحْشِيِّ ]الثور[ قَرْنِي" (مز٩٢١٠)..
الوجه الرابع: وجه نسر
المسحة: المسحة النبوية (Prophetic Anointing) – تمييز الأوقات والأزمنة، كلمات حية من عرش النعمة في توقيتها الصحيح، انتعاش وتجديد للقوة..
الطريق: المحبة وستر عيوب الآخرين.. "وَلكِنْ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، لِتَكُنْ مَحَبَّتُكُمْ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ شَدِيدَةً، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ تَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ الْخَطَايَا" (١بط ٤٨).
الأحقية: صار هذه الوجه وما يشير إليه من مسحة للنطق بكلمة الرب وتمييز الأوقات والأزمنة، مُتاح لنا في الرب القائم من الأموات الصاعد إلى السماوات..
قام يسوع منتصرًا على الموت والقبر، وصعد إلي السموات.. "وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ" (أف٢: ٦).. أقامنا معه وأصعدنا معه ليجلسنا.. قبلنا فيه بنعمته.. صعد ونحن فيه.. "حملنا في جسده" كما يقول القديس أثناسيوس الرسولي.. أو "أحتوانا في ذاته مثل الحزمة التي تحمل السنابل" كما يقول القديس كيرلس الكبير.. سترنا فيه وحلق بنا عاليًا نحو السماء، إذ نُرى فيه كاملين بكماله أمام الآب..
مسحة النسر الحقيقية لا تُعطَى إلا لمَن يحب ويستر!! مسحة النسر تنطبع وتستقر على هؤلاء المستعدين لأن يمتلئوا بالحب الغير مشروط، والمستعدين للنطق بكلمات الحياة وسط أكثر الأوقات إظلامًا.. كما سترنا الرب وانطلق بنا كالنسر، هكذا مسحة النبوة تستقر على من يستر ويستعد للانطلاق بدون قيود الأفكار السلبية.. النسر يفهم كيف يجدد الرب الحياة، لذا لا يمسك خطايا الآخرين.. مسحة النبوة تُظهر ما يريد الرب أن يظهره، وتستر ما يريد الرب أن يستره!! مسحة النبوة هي مسحة الحياة لما يأمر له الرب بالحياة، بغض النظر عن الواقع والعيان!!
كما أن النسر عنده القدرة على الطيران ورؤية الصورة الكُلية الواسعة.. هكذا مسحة النسر تعطي القدرة النبوية على تمييز أوقات وأزمنة الرب ومعرفة فكره، بدون الانحصار في تفاصيل رؤيتها منفردة قد يعطي صورة خادعة ويشوش الحقيقة!!
كما أن النسر لديه القدرة على رؤية النور مبكرًا جدًا لأنه يحلق عاليًا، هكذا المسحة النبوية تعطي القدرة على رؤية وفهم علامات مجيء الرب الثاني.. نسور الأيام الأخيرة عيونهم ترى الرب الآتي على السحاب.. وآذانهم تسمع البوق!! نسور الأيام الأخيرة عيونهم مُكحلة بكحل الروح يرون ما لا يُرى.. يصرخون هوذا العريس آت.. لتستيقظ العذارى ولتمتليء المصابيح بالزيت!!
د. ثروت ماهر

أبطال داود

  
 
 
أَبْـطَال دَاوُد..
عزيزي القاريء، حديثنا معًا في هذا المقال هو حديثٌ مُمتِعٌ جدًا!! فهو حديثٌ عن حياةِ البطولة!! نعم.. حياة البطولة الروحية.. كيف نحيا أبطالاً للرب ويَعظُم انتصارنا بالذي أحبنا.. يريدك الرب بطلاً له.. تحيا حياتك مُنتصرًا على الخطية وعلى إبليس.. لا يريدك الرب مُنكسرًا أمام أي خطية.. ولا يريدك خائفًا من الظروف والتحديات.. يريدك بطلاً... فقد أتى يسوع وسفك دمه الثمين.. ومات على الصليب.. وسحق العدو.. وقام من الأموات مُجرِدًا إبليس من سلطانه.. لكي يعطيكَ أنتَ أن تحيا مُتمتعًا بنصرته وقيامته، وقوة دمه.. فتطَّأ أقدامك المرتفعات والجبال التي في حياتك!! وتحيا أعلى من كل تحدٍ ومن كل عيان!! مُتمتعًا بخطة الرب لحياتك.. واثقًا في كل يوم أنّ الذي بدأ عملاً صالحًا في حياتك هو قادر أيضًا أن يكمله (في۱: ٦)..
نعم عزيزي، يريد الرب أن يصنع منا أبطالاً.. أبطالاً يحيون نصرة القيامة.. لا ينهزمون أمام هجمات إبليس.. بل على العكس يثبتون.. ويتقدمون.. وتتحول الحروب الروحية في حياتِهم إلى فرصٍ للنمو ولتعظيم الرب.. يقولون بكل ثقة، وبفمٍ مملوء من الروح: "العدو خبزنا" (عد۱٤: ۹)!!.. يتقدمون وينطلقون من مجدٍ إلى مجد (۲كو٣: ۱٨).. ويذهبون من قوةٍ إلى قوة (مز٨٤: ۷).. ويحيون بإيمانٍ لإيمان (رو۱: ٨).. أبطالاً يقاومون العدو، فيهرب من أمامهم مذعورًا. وإذا أتى العدو عليهم من طريق واحد، ينهزم ويهرب أمامهم في سبعة طرق!! (تث٢٨: ۷).
قارئي العزيز، في هذا المقال، سيدور حديثنا معًا، حول حياة البطولةِ مع الرب، من خلال تأملنا في الإصحاح الثالث والعشرين من سفر صموئيل الثاني.. إنه إصحاح ذهبي من إصحاحات الكتاب المقدس، يمتليء بالبطولات وبالأبطال.. يضيء بشكلٍ خاص بأسماء أبطال حقيقيين للرب.. أحبوا الرب ومسحهم الروح القدس، فتقوا من الضعف وصاروا أشداء في الحرب (عب۱۱: ٣٤).. يمتليء هذا الإصحاح بلمحات عن أبطال كثيرين.. رجال داود الأشداء.. كلٌ له بطولته.. ولكن وسط الأبطال الكثيرين، يضيء ثلاثة أبطال، يسميهم الروح القدس "الثلاثة الأول" (۲صم۲٣: ۱٣).. وهؤلاء هم مَن سنركز حديثنا حول كل منهم على حدة، لنتعلم من كلِ منهم أحد مفاتيح حياة البطولة الروحية.. ولكن قبل أن نركز حديثنا حول هؤلاء الأبطال الثلاثة.. دعنا عزيزي نتأمل بسرعة في أبطال داود بشكل عام.. لنتعلم أولاً مبدأ عام وأساسي لحياة البطولة الروحية، وبعد هذا نركز حديثنا حول الثلاثة الأول، كل منهم على حدة.
بؤســــاء.. صاروا أبطالاً..!!
في الإصحاح الثالث والعشرين من سفر صموئيل الثاني، يبدأ الروح القدس حديثه المباشر عن أبطال داود بقوله.. "هذه هي أسماء الأبطال الذين لداود..." (۲صم۲٣: ٨).. ويسرد لنا الروح القدس قصص لبطولات عظيمة، فهذا قتل ثمان مئة من الأعداء دُفعة واحدة!! وهذا قتل أسدين، وضرب أسدًا في يوم ممتليء بالثلوج.. وهذا استخدم عصا بسيطة ليحارب واحد من الأعداء الأقوياء معه رمح، واستطاع بالعصا أن يواجه العدو ويخطف رمحه ويقتله!! وهذا حارب ثلاثمائة بمفرده فقتلهم!!.. بطولات عظيمة يذكرها لنا الوحي، وأبطال متميزين يذكرهم الوحي إكرامًا لهم.. وحتى أولئك الذين لا تُذكر بطولاتهم، حرص الوحي على ذكر أسماءهم بالتفصيل.. سبعة وثلاثين بطلاً.. فالرب يعرف الأبطال الذين له واحدًا واحدًا!!..
في الحقيقة عزيزي القاريء، عندما تقرأ هذا الإصحاح الذي نتأمل فيه لابد أن تندهش!! فالإصحاح ممتليء بالبطولات المُدهِشة والأبطال الذين يظهرون وكأنهم ليسوا من هذا العالم!! ولكن عزيزي، ما قد يزيد من اندهاشك فعلاً، هو أن تعرف أصل هؤلاء الأبطال، وكيف كانت حالتهم قبل أن يصيروا أبطال داود!!
يخبرنا سفر صموئيل الأول عن معاناة داود وهو مُطارَد من شاول.. ويخبرنا كيف هرب داود إلى مغارة تُدعى (عَدُلاَّم).. وهناك في تلك المغارة بدأ الرجال الذين صاروا فيما بعد أبطالاً يتجمعون حول داود.. ولكن عندما ذهب هؤلاء الرجال إلى داود لم يكونوا بعد أبطالاً.. لكنهم كانوا بؤساء!!.. نعم بؤساء!! يصفهم الوحي قائلاً: "واجتمع إليه (إلى داود) كل رجل مُتضايق، وكل مَن كان عليه دين، وكل رجل مُر النفس.. فكان عليهم رئيسًا..." (۱صم۲۲: ۲)!!.. نعم صديقي.. مَن اجتمعوا حول داود في البداية كانوا ثلاث فئات من الناس.. فئة المتضايقين وهي أفضل الفئات الثلاثة حالاً!! ثم فئة الذين عليهم ديون، وهؤلاء بالتأكيد كانوا ممتلئين بالشكوى والتذمر والخوف والهروب والإحباط!! ثم أخيرًا فئة مُري النفس، المجروحين المتألمين الفاقدي الأمل في الحياة!! يا له من جيش عظيم مُجتَمِع حول داود!! ولكن عزيزي القاريء، هؤلاء البائسون المديونون المتضايقون حدث لهم تغير عجيب جعلهم أبطالاً.. صاروا أبطال داود، وصارت قصص بطولاتهم مُلهِمَة لكثيرين!! كيف حدث هذا؟ ما السر وراء تغير الحياة من حياة فاشلة مُحبطَة إلى حياة بطولة وانتصار؟! ما السر؟ ما المفتاح؟!! هذا هو ما يريد الروح القدس أن يعلمنا إياه في الكلمات الآتية.. فالروح القدس عزيزي يريد أن يصنع منا أبطالاً.. ويريد أن يفتح عيوننا على المفتاح الأساسي لحياة البطولة الروحية..
الالتصاق بداود.. ومسحة القوة!!
داود.. هذا الفتى الصغير الذي اختاره الله ليمسحه ملكًا على اسرائيل عوضًا عن شاول.. أحب داود الرب بكل قلبه، وعاش أمينًا للرب حتى قبل أن يُمسَح ملكًا.. كان داود راعيًا للأغنام، وبينما كان يرعى أغنامه وخرافه، كان يتقابل مع حضور الله!! يرنم ويعزف للرب إلهه الذي يحبه.. بينما يرعى داود أغنامه، كان يتقابل مع الراعي الصالح.. صخر الدهور.. الإله الحي الذي يرعى حياته بكل أمانة.. عندما تحدث الله لصموئيل النبي ليمسح داود.. قال له: "املأ قرنك دهنًا وتعال أرسلك إلى يسى البيتلحمي، لأني قد رأيت لي في بنيه ملكًا" (۱صم۱٦: ۱).. نعم.. رأى الرب في داود ملكًا، حتى قبل أن يمسحه ملكًا!! لماذا؟ لأن داود أحب الرب والتصق به جدًا.. اسمعه وهو يرنم للرب بالروح القدس "التصقت نفسي بك..يمينك تعضدني.." (مز٦۳: ٨).. التصق داود بالرب جدًا.. لمس قلبه حب الرب العظيم، فأعطى حياته للرب بلا تحفظات!!.. صار يشتاق دائمًا إلى مقابلة الرب ورؤيته والتحدث معه.. وإذ أحب داود الرب وصار قلبه بحسب قلب الرب (أع۱۳: ۲۰).. استأمنه الرب على قوته!! مُسِح داود بروح القوة!! نفس الروح الذي مَسَحَ شمشون واستخدمه، ليصنع به الرب بطولات عظيمة (قضاة ۱۳- ۱٦).. ونفس الروح الذي مَسَحَ إيليا فجرى بجانب مركبات تجرها الخيول فأدركها (۱مل۱٨: ٤٦).. نفس الروح.. روح القوة (إش۱۱: ۲).. هو الروح الذي مُسِح به داود.. فقتل أسدًا ودبًا.. وأنتزع شاة مُنقذًا إياها من فم الأسد!! روح القوة هو الذي أعطى داود القدرة على مواجهة جليات بعصا ومقلاع وحجارة ملساء!!.. مسحة الروح القدس.. مسحة القوة!! كان داود ممسوحًا بروح القوة.. روح البطولة للرب!!
قارئي العزيز، هل لاحظت أنّ بطولات أبطال داود تُشبِه بطولات داود نفسه؟؟ فأحد أبطال داود قتل أسودًا (۲صم۲۳: ۲۰)، وهكذا قد فعل داود من قبل، فقد قتل أسدًا ودُبًا!! وأحد أبطال داود تقاتل مع العدو وانتصر وهو لا يملك إلا عصا (۲صم۲۳: ۲۱)، وهكذا قد فعل داود من قبل!! وبطل آخر من أبطال داود ملأه الإصرار أن يحارب العدو في الوقت الذي خاف فيه كل الشعب من المواجهة (۲صم۲۳: ۱۱)، وهكذا قد فعل داود أيضًا من قبل أمام جليات!!
عزيزي.. هل أضاء أمامك المعنى الذي يود الروح القدس أن يوصله لك؟؟ نعم.. نعم.. مسحة داود.. مسحة القوة والبطولة انتقلت إلى أبطال داود!! الرجال المتضايقون، المديونون، مري النفس، جاءت عليهم مسحة القوة.. فصاروا أبطالاً للرب!! وكيف حدث هذا؟؟ الإجابة ببساطة.. التصقوا بداود!! أحبوا داود!! عاشوا مع داود!! تركوا العالم وسكنوا حيث داود ساكن!! فامتلأوا بروح داود وبمسحة داود..
قارئي العزيز.. هذا هو مفتاح البطولة الروحية الأساسي.. الالتصاق بداود الحقيقي.. بالرب يسوع.. فداود العهد القديم هو رمز لداود الحقيقي الرب يسوع!! وكما صار أبطال داود أبطالاً لأنهم أحبوا داود والتصقوا به.. سنصير أنا وأنت أبطالاً بالتصاقنا بالرب يسوع.. وكما مُسِح أبطال داود بمسحة داود، سنُمسَح نحن بمسحة قائدنا وحبيب قلوبنا الرب يسوع.. وكما صنع أبطال داود بطولات كالتي صنعها داود، سنعمل نحن الأعمال التي عملها يسوع!! ألم يقل لنا الرب يسوع: "الحق الحق أقول لكم مَن يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضًا وأعظم منها.."(يو۱٤: ۱۲)!!
نعم قارئي العزيز.. يريد الرب أن يصنع منك بطلاً. ولكي يتحقق هذا لابد أن تلتصق بالرب التصاقًا حقيقيًا!! لابد أن تقضي أوقاتًا أمام الرب.. جالسًا عند قدميه.. مُصغيًا لصوته.. مُسبحًا له.. لابد أن يصير هو مركز كل شيء في حياتك.. عندما تذهب إلى الاجتماعات الروحية، تذهب لتُقابل الرب.. عينك على الرب، وليس على أي شيء آخر.. عندما تجلس أمام الكتاب المقدس، تجلس بروح الخضوع للكلمة، لأنك تريد أن تتقابل مع يسوع من خلال المكتوب!! عندما تجلس في جلسات الإرشاد الروحي مع المُرشد الروحي، تنتظر أن تسمع الرب وتتقابل معه في هذه الأوقات الخاصة!! عندما تتقدم للتناول من مائدة الرب، تثق أنه هو هناك، يعطيك بيده من جسده ومن دمه!! يصير هو الكل في الكل!! فيصنع منا أبطالاً بحسب قلبه!! أبطالاً يهزمون الخطية، يحيون نصرة الرب في كل يوم.. يخطفون نفوسًا من مملكة الظلمة.. لا ينكسرون أمام العيان، بل على العكس بإيمانهم يغيرون العيان، فيصير الواقع لمجد الرب بقوة الرب!! عزيزي.. الالتصاق بالرب هو المفتاح الأساسي لحياة البطولة الحقيقية.. إذ نلتصق به، تنطبع صورته على وجوهنا، فنصير مريحين جدًا لمن حولنا.. مرعبين جدًا لأعدائنا.. أبطالاً حقيقيين للرب!!
والآن، وبعد أن تحدثنا عن المفتاح الأول والأساسي لحياة البطولة الروحية، ليسمح لي قارئي العزيز أن نتأمل معًا سريعًا في ثلاثة مفاتيح أخرى نتعلمها من بطولات "الثلاثة الأول"، رؤساء أبطال داود!!
۱- يُشيب بَشَّبَث التَّحكَمُوني.. هَزَّ رُمحَه!!
"يُشَيْبَ بَشَّبَثُ التَّحْكَمُونِيُّ رَئِيسُ الثَّلاَثَةِ. هُوَ هَزَّ رُمْحَهُ عَلَى ثَمَانِ مِئَةٍ قَتَلَهُمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً..." (۲صم۲۳: ٨)..
يُشيب بَشَّبَث التَّحكمُوني رئيس الثلاثة الأول.. هاجمه ثمان مئة رجل من الأعداء.. فحلَّ عليه روح القوة.. وقتلهم جميعًا!! قتل الثمانمائة!! كيف هذا؟؟ ما المفتاح الذي امتلكه يُشيب فانتصر؟! بالتأكيد كان يُشيب، مثله مثل كل أبطال داود، مُمتلِكًا للمفتاح الرئيسي للبطولة والذي تكلمنا عنه قبلاً، وهو الالتصاق بداود.. فقد كان يُشيب مُحبًا لداود جدًا، لدرجة أنه كان مُستَعِدًا للتضحية بحياته فقط لكي يسقي داود من بئر المياه الذي يحبه (۲صم۲۳: ۱۳- ۱۷)..
ولكن في هذه البطولة تحديدًا، امتلك يُشيب مفتاحًا إضافيًا آخر للبطولة، شيئًا آخر امتزج بحب يُشيب لداود، فجعله ينتصر على ثمان مئة دفعة واحدة!! قد تتساءل عزيزي.. ما هو هذا المفتاح؟؟ ويجيبك الكتاب المقدس ببساطة.. المفتاح في بطولة يُشيب هو أنه .. هَزَّ رمحه!! نعم مفتاح البطولة في أن يُشيب هز رمحه.. لم يخش يُشيب الثمانمائة، لكنه وثق في مسحة الروح التي على حياته.. وهزَّ رمحه!!
بالتأكيد، في مواجهة ثمان مئة، فهم يُشيب أنه لا يستطيع أن ينتصر بقوته.. فهو بإمكانياته الطبيعية أضعف بكثير من أن يهزم هذا العدد.. وهنا عزيزي تَكمُن بطولة يُشيب الحقيقية.. أنه حين أدرك ضعفه، لم ييأس!! لكن وثق في قوة إلهه!! في مسحة الروح.. مسحة القوة!! حينما أدرك يُشيب ضعفه لم يستسلم للضعف، لكن خضع لقوة الروح.. قام يُشيب بفعل بسيط، هز رمحه.. وبالتأكيد "هز الرمح" هو فعل بسيط في مواجهة هذا العدد، حتى لو كان المقصود به الانطلاق القوي بالرمح لمواجهة العدو!! آمن يُشيب أن إلهه معه.. وآمن أنه يستطيع بالرب أن يغلب العدو.. هز رمحه مُعلِنًا أن النصرة ليست بالقوة ولا بالقدرة ولا بالعدد ولا بالإمكانيات.. لكن بالرب!! بالرب وحده!!
عزيزي، هل تجد نفسك في مرات محاطًا بمخاوف كثيرة؟ هل تتكاتف عليك مشاكل الحياة وحروب العدو في أوقاتٍ كثيرة؟ هل ترى نفسك في مرات كيُشيب الذي وجد نفسه في مواجهة ثمان مئة من الأعداء دُفعة واحدة؟... هلليلويا.. نعم هلليلويا.. لأن الرب يعطيك مفتاح هام للنصرة الآن أمام تكاتُف العدو!! المفتاح هو الاستسلام للروح القدس في أوقات المواجهات، حتى يقودني الروح ويمسح أفعالي البسيطة بمسحة عظيمة، مسحة القوة، التي تأتي بالانتصارات!!.. الاستسلام للروح!! يا له من مفتاح.. أن يحملك الروح عزيزي في وقت الحروب!! أن تحارب بقوة الروح.. فتصير كلماتك البسيطة كسهام نارية مُوجهة للأعداء.. يحملك الروح، فتصير أسرع من العدو!! تدركه وهو لا يُدركك!! ما أعظم الروح القدس.. روح القوة.. الروح الناري.. الذي يَحمِل، ويَملأ، ويَمسَح، ويُقوي، ويُشعِل، ويُعطِي النصرة... فتنطلق هاتفًا.. "افتخر بالحري في ضعفاتي لكي تحل عليّ قوة المسيح... حينما أنا ضعيف، فحينئذ أنا قوي"!! (٢كو۱٢: ۹، ۱۰)...
قارئي العزيز، حينما تستسلم لقوة الروح في أوقات المواجهات، سيقودك الروح لأمور قد تبدو بسيطة.. مثل يُشيب الذي هز رمحه.. قد يقودك الروح لإعلان إيمان بسيط.. لترنيمة.. لرفع يدك في مواجهة العدو.. لموقف ممتليء بالمحبة مع أحد الأشخاص!! قد يقودك الروح للعطاء.. للسجود أمام الرب وقت.. للصوم.. لترديد آيات من الكتاب المقدس!! أمور بسيطة!! لكن هذه الأمور البسيطة تحت سلطان قوة الروح والمسحة، ستأتي بنتائج معجزية!! داود رمى حجر أملس بمقلاع.. لكن وراء الرمية.. إيمان عظيم واتكال على قوة الروح.. وقع جليات وانتهى جبروته!! بإسم الرب يسوع، يقودنا الروح لأوقات مثل هذه، نرمي فيها الحجارة الملساء بقوة الروح، نهز رماحنا، فيسقط كل جليات، ونعطي المجد لإلهنا، ويعلو صوت سُبحنا.. ويَعظُم انتصارنا بالرب!
۲- ألِعازَار بنْ دُودُو... لصقت يَده بالسيف!!
" أَلِعَازَارُ بْنُ دُودُو بْنِ أَخُوخِي، أَحَدُ الثَّلاَثَةِ الأَبْطَالِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ دَاوُدَ حِينَمَا عَيَّرُوا الْفِلِسْطِينِيِّينَ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا هُنَاكَ لِلْحَرْبِ وَصَعِدَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ. أَمَّا هُوَ فَأَقَامَ وَضَرَبَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ حَتَّى كَلَّتْ يَدُهُ، وَلَصِقَتْ يَدُهُ بِالسَّيْفِ، وَصَنَعَ الرَّبُّ خَلاَصًا عَظِيمًا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، وَرَجَعَ الشَّعْبُ وَرَاءَهُ لِلنَّهْبِ فَقَطْ.." (۲صم۲۳: ۹، ۱۰)..
المفتاح الذي نتعلمه من هذا البطل... هو استخدام السيف!! بالطبع في العهد الجديد نحن لا نحمل سيوفًا.. فقصص العهد القديم تحمل لنا ظلالاً للحقائق الروحية في العهد الجديد.. يخبرنا العهد الجديد عن ماهية السيف الذي لابد أن نحمله في معاركنا لنصير أبطالاً، فيقول: "سيف الروح الذي هو كلمة الله.."!! (أف٦: ۱۷)..
كلمة الله... مفتاح البطولة الذي نتعلمه من ألِعازَار بن دُودُو هو الالتصاق بكلمة الله، واستخدامها في مقاومة العدو.. ظل ألعازار يُحارب حتى كلت يده، أي ضَعُفَت قوته الطبيعية.. ولصقت يده بالسيف، أي صارت يده والسيف شيئًا واحدًا!! امتزجت يده بالسيف!!
عزيزي، هل تعبر عليك أوقات تشعر فيها أن ضعفك الطبيعي يظهر، وكإنسان محدود قد تشعر بالإعياء في وسط المعارك الروحية؟!! صديقي، في أوقات مثل هذه.. ارفع السيف!! انطق بالكلمة!!.. لا.. لن يهزمك العدو.. فهو فاشل.. أمام الكلمة يصير جبانًا ويهرب!!.. عزيزي.. أريد أن أشجعك.. يسوع وهو على الأرض اجتاز أوقات مثل هذه وانتصر!! وانتصاره كان لأجلك!!.. يخبرنا الكتاب المقدس أن يسوع "كان يُقتاد بالروح في البرية.. أربعين يوم يُجرَب من إبليس، ولم يأكل شيئًا في تلك الأيام. ولما تمَّت جاع أخيرًا.." (لو٤: ۱، ۲)... في التجربة على الجبل، بالتأكيد عبَر يسوع بحروب روحية شديدة ومُتعددة.. وبعد أربعين يوم من المعارك والصوم المستمر.. جاع يسوع!! شعر بالخزف.. بالجسد واحتياجاته.. لكن هلليلويا.. لم ينكسر يسوع أمام احتياجات الجسد الطبيعية.. جاء العدو ليستغل الجوع.. الاحتياج الطبيعي للجسد الإنساني.. ليُسقِط الرب.. لكن هلليلويا.. رفع يسوع السيف في وجه العدو.. واجهه بالمكتوب.. ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الرب... هزم يسوع العدو بالكلمة.. انتصر الرب لحسابنا نحن.. لكي يفتح لنا الطريق لاختبار نصرته!!
عزيزي.. في كل مواجهة مع العدو.. أنت تحتاج لمفتاح البطولة هذا.. كلمة الله.. ولكي يكون هذا المفتاح فعَّالاً في معاركك.. لابد أن يمتزج بالإيمان!! لذا لابد عزيزي أن تقضي أوقاتًا مع الرب، تسمح فيها للروح القدس أن يحول كلمات الكتاب بداخلك إلى إعلان روحي.. ريما.. تصبح كلمات الكتاب المقدس بالنسبة لك هي كلمات شخصية من فم الرب لك!! فتخلق بداخلك إيمانًا حيًا.. ويمتزج كيانك بالكلمة.. تلتصق نفسك بها.. مشاعرك.. أفكارك.. إرادتك.. حتى دائرة اللاوعي عندك.. تصير مُمتزجة بالكلمة... يلتصق كيانك بالسيف.. تتشكل حياتك بالكلمة.. تصير الكلمة بالنسبة لك حقيقية أكثر مما تراه بعينيك من حولك!! فالكلمة هي الحق رغم أي عيان!! صديقي.. في معاركك الروحية، وجه السيف إلى العدو.. لا تخش الأوقات التي يظهر فيها الخزف.. الكلمة ستنتصر لك حتى في وقت الإعياء..
أبي السماوي.. أطلب روحك القدوس الذي يحول كلمات الكتاب المقدس بداخلي إلى ريما.. كلمات خاصة لي.. أبي السماوي.. كم أحتاج لعمل الروح القدس!! كم أحتاج للكنز، الروح الذي يملأ الخزف!! أبي.. أريد أن أصير بطلاً لك!! بطلاً حقيقيًا.. ليس بمجرد الكلمات.. لكن بالروح والحق.. أبي.. لتعلمني الصمود في المعارك الروحية.. علمني كيف أظل ثابتًا حتى إذا شعرت بالإعياء.. أشكرك لأنك تعطي المعيّ قوة!! علمني أن استخدم السيف.. كلمتك المقدسة.. امسحني بروحك الناري.. فتصير الكلمة من فمي نارًا في وجه العدو!! أصير مثل فمك!! بحسب وعدك العظيم "إذا أخرجت الثمين من المرذول، فمثل فمي تكون" (إر۱٥: ۱۹)!! أعظمك يا أبي السماوي.. أصلي في اسم إبنك المحبوب يسوع.. آمين!
۳- شَمَّة بن أجِي الهَرَارِي: لأجل داود.. لم يترك حتى العدس!!
"وَبَعْدَهُ شَمَّةُ بْنُ أَجِي الْهَرَارِيُّ. فَاجْتَمَعَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ جَيْشًا، وَكَانَتْ هُنَاكَ قِطْعَةُ حَقْل مَمْلُوءةً عَدَسًا، فَهَرَبَ الشَّعْبُ مِنْ أَمَامِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. فَوَقَفَ فِي وَسَطِ الْقِطْعَةِ وَأَنْقَذَهَا، وَضَرَبَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، فَصَنَعَ الرَّبُّ خَلاَصًا عَظِيمًا.." (٢صم٢۳: ۱۱، ۱٢)..
شمَّة بن أجِي الهراري.. هو البطل الثالث من رؤساء أبطال داود الثلاثة... اجتمع جيش من الأعداء للاستيلاء على أراضي شعب الله... وكان البداية حقل عدس، كان الأعداء مزمعين أن يأخذوا حقل العدس.. ولأنه فقط حقل عدس، والعدس هو محصول رخيص ليس كالقمح في قيمته مثلاً،  فقد هرب شعب الله من أمام أعدائهم!! انسحبوا هاربين!! من الممكن أن يكونوا فكروا في نفوسهم قائلين "لماذا نخاطر بحياتنا من أجل حقل عدس؟؟.. إنّ الأمر لا يستحق كل هذا العناء!!"... وهربوا جميعهم!!
ولكن عزيزي القاريء، على الرغم من هروب كل الشعب، إلا أنّ واحدًا منهم قد بقى!! نعم واحد منهم فقط هو مَن قرر أن يقف في وجه الأعداء وحده، ولا يترك حقل العدس!! إنه شمَّة الهرَارِي!! كان شمَّة يفكر بطريقة مختلفة... أعتقد أنه قد فكر بداخله قائلاً... "نعم، إنه حقل عدس.. لكنه ملكًا لداود ملكي.. فهو أرض تابعة لسلطان داود!! كيف أتركها للأعداء؟!" وأعتقد أنه ما أن تذكر داود الملك الذي يحبه بكل قلبه، حتى وجد نيران بداخله للدفاع عن حقل العدس!! آه.. كم صار حقل العدس ثمينًا في عيني شمَّة إذ تذكر داود ملكه!! كم صار حقل العدس غاليًا لأجل داود الملك المحبوب!! وانطلق شمَّة!! لم يترك مكانه، لكنه ظل مقاومًا للعدو.. ولا يخبرنا الكتاب ما السلاح الذي استخدمه شمَّة، لأن حب شمَّة لداود، واستثمانه وتقديره لحقل العدس لأجل داود، كان أقوى من أي سلاح في يده.. فلا فرق هنا بين رمح أو سيف أو عصا!!
عزيزي، هل أضاء أمامك المفتاح الثالث للبطولة الروحية؟ هل أدركت مفتاح بطولة شمَّة؟ دعني ألخصه لك في عبارة واحدة... إنّ مفتاح بطولة شمَّة هو أنه استثمن القليل لأجل داود!! نعم عزيزي.. صارت قطعة الأرض المملوءة عدسًا في عينيه غالية جدًا لأجل داود!!
قد تتساءل عزيزي، وما تطبيق هذا في حياتي؟ كيف استخدم هذا المفتاح لأصير بطلاً في الروح؟ الإجابة عزيزي هي أنه في كل مرة يأتي العدو ليستولي على أي أمر ولو صغير في حياتك، لابد أن تقاومه!! تذكر أنك بالكامل مِلكًا لداود الحقيقي، كيانك بالكامل وأموالك ووقتك وصحتك هي مِلكًا للرب يسوع، ولذلك ليس من حق العدو أن يسيطر على أي شيء ولا على أي لحظة في حياتك!! فليس للعدو حق أن يستولي على وقت خلوتك اليومية بانشغالات أو بسبب أمور مفاجئة!! ليس من حق العدو أن يسلب فرحك لأي سبب!! ليس من حق العدو أن يتدخل بانطباعات خاطئة في علاقاتك مع الآخرين!! ليس من حق العدو أن يصيب جسدك بأمراض!! فالجسد للرب والرب للجسد (۱كو٦: ۱۳)...
عزيزي، في أي مرة يأتي العدو ليسلبك، تذكر "ليس من حقه".. نعم ليس من حقه أن يأخذ أي شيئ منك، فأنت بالكامل قد دُفع ثمنك دم غال ثمين.. دم الرب يسوع.. قارئي العزيز، لتعلم أنّ إبليس سارق!! وهو يريد أن يأخذ عطايا داود الحقيقي لك!! عطايا الرب يسوع لك!! عزيزي... استثمن أمور الرب في حياتك... لا تستصغرها حتى لو بدت صغيرة!! لا تستصغر خدمة يعطيها لك الرب حتى لو بدت قليلة وصغيرة!! فالرب ليس عنده مانع أن يخلص بالكثير أو بالقليل!! لا تقل إنّ مواهبك قليلة وأنك لهذا دائمًا تُصاب بالإحباط عندما تخدم الرب!! هيا كفاك انحصارًا في الذات.. ليس هناك فرق بين سيف، وعصا، ورمح عندما يملأ حب الرب الكيان!! المحبة تصنع الأبطال!! استثمن عطايا الرب لك.. استثمن وزناته حتى لو كانت وزنة واحدة في حياتك!! اذهب.. تاجر بها.. ستربح، وستتضاعف الوزنة!! يصير الثمر الثلاثون ستين، والستون مائة.. والمائة آلاف وربوات!! هلليلويا..
صديقي، هل أدركت رسالة الرب لك في هذا المقال؟!! هو يريدك بطلاً له!! لا يريدك مُحبطًا.. لا يريدك مُفشَّلاً.. لا.. لا.. لا للهزيمة واليأس.. الرب يسوع لم يعطيك روح الفشل!! هو يريدك مُنطلِقًا!! يريدك ناجحًا في حياتك وناجحًا في ملكوته... هو رب الأبطال.. هو داود الحقيقي.. يسوع المسيح.. الممسُوح بالروح القدس.. روح القوة.. هو مَن يصنع الأبطال.. يصنعهم من لا شيء!! هو الخالق!! الذي لا يزال يخلق له أبطال حتى الآن... عزيزي.. هل تشتاق أن تكون بطلاً له؟ آه.. أيها الرب.. كم أشتاق!! امسحني بالروح القدس.. روح القوة.. لأصير بطلاً لك كل الحياة!! آمين!

ثروت ماهر/ ابريل ۲۰۱۳

الحب العجيب




(الكثير من تفاصيل القصة المكتوبة في هذا المقال هي من خبال المؤلف، ولكنها بالطبع تعتمد على القصة الكتابية، ولا تتعارض معها.)

الحب العجيب...

"أريد.. فأطهر.." لو٥: ١٣
عبارة من كلمتين نطق بها الرب يسوع، قالها للأبرص الذي أتى إليه معذبًا من مرضه.. كلمتان "أريد، فأطهر" حملتا الشفاء الإلهي لهذا الرجل البائس الذي كان يبدو أنّ لا أمل له.. فهو أبرص.. والبرص لا حاضر له ولا مستقبل!!.. كلمتان من فم يسوع غيرتا للأبد شكل حياة هذا الرجل، الذي كان أبرصًا.. تعيسًا جدًا.. فصار مشفيًا.. فرحًا جدًا جدًا!! من إنسان لا مستقبل له.. إلى إنسان جديد.. المستقبل أمامه ليحلم به، بعد أن انقطعت أحلامه لسنين وسنين!!.. يا لها من عبارة تلك التي سمعها من فم الرب يسوع!! يا لها من عبارة لن ينساها طوال حياته!!.. "أريد، فأطهر".. على الرغم من بساطتها، إلا أنها عندما تخرج من فم الرب يسوع، فإنها تغير الحياة.. تُذهِب الماضي بلا رجعة.. وتأتي بمستقبل الشفاء والحرية.. وكيف لا؟!! وقد خرجت من فم يسوع شخصيًا.. فحملت قوة لا يمتلكها العالم!! قوة الحب!! حب يسوع العجيب الذي يشفي ويغير الحياة!!
حريــــة وشفـــــاء...
يحكي لنا البشير لوقا في الإصحاح الخامس، قصة هذا الأبرص "المملوء برصًا" (لو٥: ٢٠).. في الحقيقة لم يكن أبرصًا عاديًا!! كان مملوء برصًا.. البرص يغطي كل جسده.. وبالتأكيد ضَعُف جسده جدًا بسبب البرص، ومن المحتمل أن بعض أجزاء من جسده قد تآكلت وسقطت!! فالمعروف أن البرص مرض عندما يتطور، قد يجعل بعض أجزاء الجسد تتآكل!! كان رجلاً في طريقه إلى الموت.. الموت البطيء الذي يعذبه عذابًا قاسيًا جدًا..
وفجأة..دخل يسوع المشهد.. هذا الأبرص البائس المملوء برصًا.. رأى يسوع عابرًا!!
التقاليد والأعراف والناموس كانت تُجبر هذا الرجل في ذلك الوقت على الابتعاد عن الناس تمامًا.. إذا سار الأبرص في طريق، فلابد أن يسير على جانب الطريق مبتعدًا ومعزولاً تمامًا عن الآخرين.. وإذا حدث واقترب منه شخص أو كاد يقترب منه شخص عن طريق الخطأ، كان على هذا الأبرص أن يصرخ بأعلى صوته مُحذرًا "نجس.. نجس" ليمنع أي شخص من الاقتراب إليه.. فهو في حكم الناموس "نجس" ومَن يلمسه يتنجس!!
رأى هذا الأبرص يسوع عابرًا.. وشعر أن خوفه من الناس يتلاشى أمام رجائه في أن يسوع يشفيه.. "آه لو شفاني!! آه لو شفاني كما شفى الأعرج والمجنون والأعمى.. آه.. يا ليته يشفيني!!".. أتخيل أن هذه كانت صرخة الأبرص بداخله.. وأتخيل أنه رأى نظرات يسوع المُشجعة.. فأسرع الأبرص تجاه يسوع.. ويقول لنا الكتاب أنه خرّ عند رجلي يسوع.. سجد بكل ما عنده من أتعاب.. ارتمى عند قدمي يسوع بكل ماضيه.. علم الأبرص أن يسوع يقدر أن يشفيه، فقد سمع كثيرًا عن معجزات الرب يسوع.. علم الأبرص أن هذه اللحظات قد تكون فارِقة في حياته!! لقد سجد للرب وهو أبرص.. لكنه علم بداخله أنه يمكن أن يستقيم من سجدته هذه سليم مُعافَى تمامًا!!.. ولكنه متحير "هل يريد يسوع حقًا أن يشفيه؟!!" يسوع يقدر.. لكن هل يريد؟! تدافعت الكلمات من بين شفتي الأبرص "يا سيد.. إن أردت تقدر أن تطهرني".. (لو٥: ١٢)...  "يا تُرى ماذا سيجيب يسوع؟!!.. آه حياتي كلها تتعلق برغبته في أن يشفيني!! ولكن هل يشفي نجس أبرص مثلي؟!! ينظر إليه الناس على أنه مضروب بسبب الخطية!!".. هكذا أظن الأفكار تدافعت بذهن الأبرص وهو أمام يسوع.. مُرتميًا على ركبتيه وعينيه معلقة بالرب!!
ولكن قارئي العزيز.. يا لمجد غنى النعمة!! ما حدث بعد هذا كان فوق كل التوقعات!! انظر ماذا يخبرنا إنجيل مرقس عن هذه اللحظات.. يقول مرقس: "فتحنن يسوع.. ومد يده ولمسه وقال له: أريد، فأطهر" (مر١: ٤١)
تحنن يسوع.. آه يا إلهي الحنون.. يا مَن أحببتني فضلاً!! أيها الرب يسوع صاحب القلب الرقيق!! تحنن يسوع.. تحركت أحشاؤه.. أحشاء الحب والرأفة.. وكيف لا تتحرك أعماق الرب الرقيق المحب جدًا وهو يرى شخص مُعذَب يصرخ إليه.. تحنن يسوع.. ومازال يتحنن صديقي.. مازال يتحنن على كل مريض.. وعلى كل مرفوض ومطرود.. قارئي العزيز.. يسوع لا يشفي، فقط، ليبرهن على قوته وقدرته، مع أنه القادر القوي.. إنما شفى يسوع ويشفي وسيشفي لأن قلبه يتحنن.. يتحرك أمام أوجاع شعبه.. يا لحب الرب العجيب!! يا لقلبه الرقيق!!
مد يسوع يده ولمسه!! لمس الأبرص!! يا لغرابة هذا المشهد!! مَن يلمس أبرص يتنجس!! وأنت يا يسوع تمد يدك وتلمس الأبرص فيُشفى!!... "هل تلمسني حقًا..؟!" أظنها صرخة الذهول التي ملأت الأبرص!!.. "هل تلمسني؟؟ يا إلهي.. لي سنوات لم يلمسني أي شخص!! لقد تعب جسدي جدًا جدًا من الإحساس بالرفض وبالوحدة.. آه كم تمنيت أن يلمسني أي شخص!! كم تمنيت أن يلمسني أي شخص طوال السنوات الماضية.. ليقول لي أن حبه لي أكبر من خوفه مني!!.. يا إلهي!! إن يده تلمسني، وبدون خوف!!.. أشعر بموجات حب وشفاء تخرج من يده لي.. يا يسوع.. أنت تشفيني الآن.. شفاء الحب!! الحب يشفيني.. يشفي أعماقي!! يشفي ماضيّ!! ويا لمجد غنى النعمة.. يشفي برصي!! البرص يختفي!! جسدي أيضًا يُشفى.. يا لدفئ الحب!! ويا لمجد النعمة... عاد جسدي صحيحًا!!
زمن جديد...
نظر الأبرص إلى يسوع غير مصدق!! هل قد شفيت حقًا؟!! هل أستطيع أن أعود إلى بيتي مَشفي؟! هل أستطيع أن أعانق زوجتي وأقبلها.. أتناول طعامي معها.. ونعود نضحك ونحلم سويًا؟!! هل أمشي في الشارع في وسط الجموع بدون خوف.. بدون خزي!! هل بدأ في حياتي زمن جديد؟!! هل أستطيع أن أبحث عن عمل وأعمل وأكسب.. و.. و.. و.. يا إلهي.. شعر الأبرص بموجات الحب تتدفق من نظرات يسوع إليه.. نظرات التشجيع.. نعم.. إنه زمن جديد!!.. وقف الأبرص مدهوشًا بالحب.. أفاق من أفكاره على صوت يسوع الممتليء بالحب الذي يقول له بحسم: "امض وأر نفسك للكاهن وقدم عن تطهيرك كما أمر موسى شهادة لهم" (لو٥: ١٤)... اندهش الأبرص بعض الشيء.. هل لابد أن أفعل هذا وسط فرحتي هذه؟!!.. نظر إلى يسوع فوجد نظراته الممتلئة بالحب.. ممتلئة أيضًا بالإصرار!! شعر الأبرص أنه يريد أن يفعل أي شيء يأمره به يسوع.. لذا أسرع ليذهب إلى الكاهن ليُريه نفسه ويقدم قربانًا عن تطهيره.. ولكن قبل أن يذهب للكاهن، كان عليه أن يشتري عصفورين.. فهكذا كانت شريعة تطهير الأبرص!!.. "كان يُؤخذ للمتطهر عصفوران حيان طاهران وخشب أرز وقرمز وزوفا.." (لا١٤: ٤).. ويُذبح أحد العصفورين، ويؤخذ دمه ويوضع على العصفور الآخر، كما يوضع على الشخص المُتطهر.. ثم يُطلَق العصفور الآخر الذي غطاه الدم ليطير طليقًا حرًا!!.. هكذا كانت شريعة تطهير الأبرص!!..
العصفور الطليق..
حضر صديقنا الأبرص، أو الذي كان أبرصًا والآن مَشفيًا، حضر أمام الكاهن.. رأى الكاهن جسده وتأكد أنه قد شُفِيّ تمامًا.. لم يعد في جسده أي أثر للبرص، وحتى الأجزاء التي كانت قد تآكلت من جسده، عادت مرة أخرى جديدة.. صار لحمه كلحم صبي صغير!!.. أخذ الكاهن العصفور الأول الصغير.. وضع السكين على رقبته.. وبسحبة واحدة ذبح العصفور وسالت دماه.. في دقائق أتّم الكاهن كل ما يجب عليه أن يعمله.. غمس العصفور الحي في دم العصفور المذبوح، حتى غطاه الدم تمامًا.. أخذ الكاهن أيضًا من الدم ووضع على صديقنا المَشفِي، الذي كان أبرصًا!!.. لم يبق سوى شيئًا واحدًا.. أن يُطلق العصفور الآخر الحي المُغطى بدم العصفور الأول الذي ذُبح!!.. أخذ الكاهن العصفور الحي بين كفيه، ورفع ذراعيه نحو السماء.. فتح كفيه.. فانطلق العصفور سريعًا جدًا، كما لو أن الفخ انكسر وانفلتت نفسه!!.. حرك جناحيه الصغيرين بمهارة، وانطلق.. أخذ يعلو ويعلو نحو السماء، وكأنه قد أُنْقِذَ من حكم الموت!!
نظر صديقنا الأبرص المتطهر إلى العصفور الذي يعلو نحو السماء.. وشعر في أعماقه بشعور عجيب.. شعر أنه هو هذا العصفور الطليق!! نظر صديقنا إلى جسده فوجده ودم العصفور المذبوح يغطي أجزاءًا منه.. تمامًا مثلما غطى هذا الدم العصفور الذي طار حرًا!!.. لم يستطع صديقنا أن يحبس دموعه التي انهمرت على وجهه!! دموع الفرح.. الشفاء.. الحرية.. همس لنفسه: أنا هو هذا العصفور الطليق!! هكذا أشعر في نفسي.. إنني حرًا.. حرًا من المرض.. حرًا من الموت.. ياه يا يسوع!! كم أشكرك لأنك شفيتني.. حولت نوحي إلى رقص!! صرت عصفورًا طليقًا حرًا.. غطت مشاعر الفرح والشكر قسمات وجه صديقنا المَشفي.. بدأ يفكر في أيامه القادمة.. يتخيل ماذا سيفعل.. وماذا سيعمل.. وماذا.. وماذا...!!
وسط فرحته وأفكاره المتدافعة.. رنّ بداخله سؤال غير مُتوقَع: "مَن هو العصفور المذبوح؟؟"... أفاق صديقنا على دوي هذا السؤال بداخله.. تتابعت أفكاره: "إذا كنت أنا العصفور الطليق المُغَطى بالدم.. فمن يكون العصفور المذبوح؟؟.." سؤال عجيب.. ما الذي وضعه بداخلي الآن؟!! هكذا رددّ الأبرص المَشفِي بداخله.. بدا للأبرص أنه لا يحمل بداخله إجابة عن هذا السؤال.. قرر أن يُنهِي حيرته، بأن يعود مفكرًا في مستقبله مرة أخرى!! غاص مرة أخرى مع آماله وفرحه وتطلعات المستقبل.. لكن بقى بداخله علامة استفهام.. من هو العصفور المذبوح؟؟
العصفور المذبوح...
انقضت قرابة سنوات ثلاث منذ أن نال الأبرص شفاءه.. عاد الأبرص لبيته.. استرد علاقته المفقودة بزوجته.. بدأ عملاً جديدًا.. وباركه الله فيه جدًا.. آه.. كم يشعر بالعرفان بالجميل تجاه يسوع الناصري!!.. يوم بعد يوم يشعر بكم يحب يسوع الذي ردّ له حياته من جديد.. ما بين حينٍ وآخر يسمع أخبار يسوع.. كيف يجول في المدن والقرى يصنع خيرًا ويشفي المتسلط عليهم إبليس.. سمع ذات مرة أن يسوع شفى عشرة برص دفعة واحدة.. تذكر يوم شفائه.. يا له من يوم عظيم.. حين أشرقت له شمس الحياة من جديد!!.. سمع أيضًا أن يسوع يشبع الجموع بمعجزات.. بل سمع أن يسوع لمس نعش صبي ميت، فأقامه.. يسوع أيضًا يقيم الموتى!! أخبار الشفاء والقيامة وتسديد الاحتياجات في كل مكان.. يسوع أيضًا يعطي أتباعه سلطان أن يشفوا المرضى ويخرجوا أرواح الشر!! كان الأبرص المشفي يمتلئ بالفرح كلما سمع هذه الأخبار.. كان يشعر في كل مرة يسمع فيها عن معجزات الرب أنه هو الذي شُفي وقام من الأموات.. كان يتذكر لمسة يسوع له.. لا لن ينساها ما عاش من عمره...
ذات صباح، وعيد الفصح يقترب.. ذاعت أخبار في المدينة.. أنّ يسوع الناصري قُبض عليه بالأمس في بستان يدعى جثسيماني.. وهو الآن يُحاكَم وقد يُدان ويُصلب.. لما يحاكمون يسوع؟!!.. هكذا صرخ الأبرص غاضبًا إذ سمع هذه الأخبار.. ارتدى عباءته واندفع ذاهبًا إلى حيث سمع أن يسوع هناك..
وصل الأبرص المَشفي إلى حيث جموع كثيرة.. متزاحمين ليشاهدون ما يحدث.. مدّ الأبرص المَشفي عُنقه.. ليرى ما يتزاحم الناس لرؤيته.. يا إلهي.. إنه يسوع.. مُنحنِي على الرحى.. يُجلَد!! نعم يسوع يُجلَد.. كيف هذا؟!! لما هذا؟!! ما الذي يحدث؟!! تدافعت الأسئلة بذهن صديقنا.. وتدافعت معها دموعه على وجنتيه.. إن هذا هو يسوع الذي شفاني!!.. الذي أبرأ جسدي وردّ لي حياتي.. أراه وهو يُجلد.. ودماه تسيل بغزارة.. لحمه يتهرأ.. مُحتقر ومخذول من الناس.. ازدادت دموعه في الجريان على وجهه، وهو يرى جسد يسوع الذي تندفع منه الدماء غزيرة تحت جلد السياط... فجأة تذكر صديقنا شكل جسده عندما كان مصابًا بالبرص.. كيف كان متهريءً في أجزاء منه.. رنّ بداخل صاحبنا العزيز السؤال القديم.. "يا تُرى مَن هو العصفور المذبوح؟؟" آه.. يا إلهي.. هل هذا ممكن؟!! يســـــوع..!! العصفور المذبوح... هل يذبح لأجلي؟!! لا.. لا هذا ليس ممكنًا.. هل هو مذبوحٌ لأجل شفائي.. هل.. هل.. هل؟؟
مرت الساعات.. ساعات ثقيلة.. ظلمة وظلال كئيبة مرعبة.. نظر الأبرص المَشفي من بعيد إلى صليب يسوع المرتفع على جبل الجلجثة.. يسوع المصلوب.. المُنكس الرأس.. العصفور المذبوح.. الحمل الذي يرفع خطية العالم!!.. آه.. يا يسوعي.. يا مَن حملت الأوجاع والأحزان والأمراض.. آه أيها العصفور المذبوح لأجلي.. كم أحبك!!.. كم أنت مُستحقٌ أن تأخذ الحياة.. يا مَن مُت لتعطني حياتي!! مَن أنا يا رب بدونِ حبك.. خاطيء.. تعيس.. مريض.. كم أشكرك لأجل الحب العجيب.. كم أشكرك يا مَن أحببتني.. حبًا بلا حدود.. يا مَن جئت لأجلي.. مستهينًا بالخزي.. عاريًا على الصليب.. لتكسو عري روحي برداء برك!! مجروحًا لأجل معاصيّ.. مسحوق لأجل آثامي.. كم أحبك با رب!! أعني أن أحيا لك.. مكرسًا بالتمام.. لا أقدم جسدي لغيرك.. فقد اشتريتني بدمك، روحًا ونفسًا وجسدًا.. أنا لك يا ربُ.. اسندني لأحيا لك.. لأخدمك.. لأذيع حبك العجيب للمرضى والمأسورين والخطاة والتعابى... أحبك يا رب يا قوتي.. يا شفائي ونجاتي..
أقامنا وأصعدنا معه.. الفخ انكسر ونحن انفلتنا!!
أكثر من أربعين يومًا انقضت على صلب الرب يسوع... بعد ثلاثة أيام من موته على الصليب ودفنه في القبر.. انتشرت الأخبار أن يسوع قد قام من بين الأموات.. قام رب المجد قام.. ساحقًا قوى الظلام!!.. القبر مفتوح.. والجسد ليس هناك.. والرب يظهر لتلاميذه.. ولمن يحبوه.. الرب هزم الموت.. ولم يستطع الموت أن يمسكه.. أين شوكنك يا موت؟! أين قبضتك يا هاوية، أمام قوة حياة الرب، الموت كلا شئ!!.. هناك حيرة كبيرة عند الكثير من الناس.. هل هذا حقيقي؟؟! هل قام يسوع؟؟ صديقنا الأبرص المَشفي ليس عنده حيرة.. عندما سمع خبر القيامة.. شعر في نفسه أنه متيقن أن هذا قد حدث.. يسوع قام.. تذكر لمسة يسوع له.. لمسة الحياة.. كيف لا يقوم هذا الممتليء من الحياة!!.. هذا الذي قال عن نفسه "أنا هو القيامة والحياة"..
جبل الزيتون... بالقرب من أورشليم.. يسوع في الوسط.. وحوله جمع من تلاميذه وآخرين.. ارتفع صوت يسوع قائلاً: "لكنكم ستنالون قوة متى حلّ الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهودًا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض.." ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون.. وأخذته سحابة عن أعينهم.. (أع١: ٨،٩)...
الحمل المذبوح قام.. آثار الجروح في جسده الممجد القائم من الأموات.. شهادة الحب العجيب.. العصفور المذبوح.. قام.. وارتفع نحو السماء ظافرًا.. حملنا في جسده القائم.. مات عنا ومتنا معه على صليب الجلجثة.. سالت دماه لتغطي حياتنا بقوة فدائه.. هو العصفور المذبوح.. هلليلويا.. وهو العصفور القائم الذي صعد إلى السماوات.. وأقامنا وأصعدنا معه وأجلسنا في السماويات.. فوق كل رياسة وسلطان وقوة وسيادة.. وفوق كل اسم يُسمى ليس في هذا الدهر فقط بل في المستقبل أيضًا.. يا لمجد غنى النعمة.. يا لقوة حيــــــاة القيامة!!
أبي السماوي.. كم أشكرك!!
كم أشكرك لأجل ابنك يسوع.. الذي بذلته لأجل حياة العالم..
ولأجلي!!.. مات عني.. ومت فيه.. ليخلصني من برصي ومن عجزي ومن خطيتي..
محتقر لأجلي.. مذلول لأجلي.. كدودة لا إنسان.. لأجلي!! (مز٢٢: ٢)
يا للحب العجيب!!
الغني يفتقر.. لأستغني بحبه..
ويا لمجد القيامة!!
المصلوب يقوم ويقيمني معه جديدًا متجددًا!!
يجتاز لأجلي أهوال الموت.. يدُك متاريس الهاوية.. يخرج أسرى السجن.. يكسر مصاريع النحاس!!
يقوم ويقيمني معه.. يصعدني معه.. في جسده.. إلى المجد..
لأعاين المجد.. ولأغمر من جديد بحضورك أبي السماوي..

آه أيها الروح القدوس.. أيها المعزي.. المشجع.. الشافي..
آه أيها الابن يسوع.. المخلص.. العصفور المذبوح.. والعصفور القائم من بين الأموات..
آه أيها الآب.. يا منبع الحنان.. يا مَن اخذتني في ابنك يسوع لأصير إبنًا لك..
محبوب.. مقبول.. على حساب دم يسوع..
آه.. إيها الثالوث القدوس.. يا منبع حياتي.. أحبك يا إلهي.. لك أنا ولن أكون لغيرك..
آميــــــــــــــــــــــــن..
                                                                                                  ثروت ماهر
                                                                             عيد القيامة/ إبريل/ ٢٠١٢